فصل: تفسير الآية رقم (224):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {يسألونك عن الخمر والميسر} فيه إيجاز بالحذف أي عن شرب الخمر وتعاطي الميسر.
2- {وإثمهما أكبر من نفعهما} هذا من باب التفصيل بعد الإجمال وهو ما يسمى في البلاغة بالإطناب.
3- {كذلك يبين الله لكم الآيات} فيه تشبيه مرسل مجمل.
4- {المفسد من المصلح} في الآية طباق بين كلمة {المفسد} و{المصلح} وهو من المحسنات البديعية.
5- {يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة} كذلك يوجد طباق بين كلمة {النار} وكلمة {الجنة}.
6- {قل هو أذى} فيه تشبيه بليغ، حيث جعله عين الأذى والضرر، فأصبح بليغًا وأصله الحيض شيء مستقذر كالأذى فحذف ذلك مبالغة على حد قولهم: علي أسد.
7- {ولا تقربوهن} كناية عن الجماع، أي لا تجامعوهن حال الحيض.
8- {نساؤكم حرث} هذا على سبيل التشبيه، فالمرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات الخارج، فالحرث بمعنى المحترث سمي به على سبيل المبالغة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}.
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} مبتدأٌ وخبرٌ، ولابد من تأويلٍ، ليصحَّ الإخبار عن الجثة بالمصدر، فقيل: على المبالغة، جُعلوا نفس الفعل، وقيل: أراد بالمصدر، اسم المفعول، وقيل: على حذف مضافٍ من الأوَّل، أي: وطء نسائكم حرثٌ، أي: كحَرْثٍ، وقيل: من الثاني، أي: نساؤُكُم ذواتُ حَرْثٍ، و{لَكُمْ} في موضع رفعٍ؛ لأنه صفةٌ ل {حَرْث}، فيتعلَّق بمحذوفٍ، وإنما أفرد الخبر، والمبتدأ جمعٌ؛ لأنه مصدرٌ والأفصح فيه الإفراد.
قوله: {أنى شِئْتُمْ}، ظرف مكانٍ، ويستعمل شرطًا واستفهامًا بمعنى مَتَى، فيكون ظرف زمانٍ، ويكون بمعنى كَيْفَ، وبمعنى مِنْ أَيْنَ، وقد فسِّرت الآية الكريمة بكلِّ من هذه الوجوهِ، وقال النحويون: {أَنَّى} لتعميم الأحوال، وقال بعضهم: إنما تجيءُ سؤالًا وإخبارًا عن أمْرٍ له جهاتٌ، فَهِيَ على هذا أعمُّ مِنْ كَيْفَ، ومِنْ أَيْنَ، ومِنْ مَتَى، وقالوا: إذا كانت شرطيةً، فهي ظرف مكانٍ فقط، واعمل أنها مبنيةٌ؛ لتضمُّنها: إمَّا معنى حرف الشرط، والاستفهام، وهي لازمة النصبِ على الظرفية، والعامل فيها هنا قالوا: الفعل قبلها وهو: {فَأْتُوا} قال أبو حيان: وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّها إمَّا شرطية أو استفهاميةٌ، لا جائزٌ أن تكون شرطيةً؛ لوجهين:
أحدهما: من جهة المعنى، وهو أنَّها إذا كانت شرطًا، كانت ظرف مكانٍ، كما تقدَّم؛ وحينئذٍ: يقتضي الكلام الإباحة في غير القبل، وقد ثبت تحريم ذلك.
والثاني: من جهة الصناعة، وهو أنَّ اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله؛ لأنَّ له صدر الكلام، بل يعمل فيه فعل الشرط؛ كما أنه عاملٌ في فعل الشرط الجزم، ولا جائزٌ أن تكون استفهامًا؛ لأنَّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله؛ لأنَّ له صدر الكلام، ولأنَّ أَنَّى إذا كانت استفهاميةً، اكتفت بما بعدها من فعلٍ واسم، نحو: {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101] {أنى لَكِ هذا} [آل عمران: 27] وهذه في هذه الآية مفتقرة لما قبلها كما ترى، وهذا موضع مشكل يحتاج إلى تأملٍ ونظر.
ثم الذي يظهر: أنها هنا شرطيةٌ، ويكون قد حذف جوابها؛ لدلالة ما قبله عليه، تقديره: أنَّى شئتم، فأتوه، ويكون قد جعلت الأحوال فيها جَعْلَ الظروف، وأُجريت مجراها، تشبيهًا للحال بظرف المكان؛ ولذلك تقدَّر بفي، كما أُجريت كَيْفَ الاستفهامية مجرى الشرط في قوله: {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] وقالوا: كيف تصنع أصنع، فالمعنى هنا ليس استفهامًا بل شرطًا؛ فيكون ثمَّ حذفٌ في قوله: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}، أي: كيف يشاء يُنْفِق، وهكذا كل موضعٍ يشبهه، وسيأتي له مزيد بيانٍ، فإن قلت: قد أخرجت {أنَّى} عن الظرفية الحقيقية، وجعلتها لتعميم الأحوال مثل كَيْفَ وقلت: إنها مقتضيةٌ لجملةٍ أخرى كالشرط، فهل الفعل بعدها في محلِّ جزم، اعتبارًا بكونها شرطيةً، أو في محلِّ رفع، كما تكون كذلك بعد كَيْفَ التي تسعمل شرطية؟ قلت: تحتمل الأمرين، والأرجح الأول؛ لثبوت عمل الجزم؛ لأنَّ غاية ما في الباب تشبيه الأحوال بالظروف، للعلاقة المذكورة، وهو تقدير في في كلٍّ منهما.
ولم يجزم بكَيْفَ إلا بعضهم قياسًا لا سماعًا، ومفعول {شِئْتُمْ} محذوفٌ، أي: شِئْتُمْ إتيانه بعد أن يكون في المحلِّ المباح.
قوله: {وَقَدِّمُواْ} مفعوله محذوفٌ، أي: نيَّةَ الولدِ، أو نيةَ الإعفاف، وذِكْرَ اللهِ أو الخير؛ كقوله: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ} [البقرة: 110].
وقال عطاء عن ابن عبَّاس: هي التَّسمية عند الجماع.
قوله: {لأَنْفُسِكُمْ} مُتعلِّقٌ ب {قَدِّمُوا}، واللامُ تحتملُ التعليل والتعديّ، والهاءُ في {مُلاَقُوهُ} يجوزُ أَنْ تعودَ على اللهِ تعالى، ولابد مِنْ حذفِ مضافٍ، أي: ملاقو جزائِهِ، وأَنْ تعودَ على مفعولِ {قَدِّمُوا} المحذوف.
وتَقَدَّم الكلام في التَّقوَى، وتَقَدَّم أيضًا تفسير لقاء الله في قوله: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46].
والضميرُ في {وَبَشِّرِ} للرَّسُول عليه الصلاة والسلام لتقدُّم ذِكرِه في قوله: {يَسْأَلُونَكَ} قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ ضميرَ الخطابِ والتكلُّم لا يحتاج أَنْ يُقالَ فيهما: تَقدَّمَ ذِكْرُ ما يَدُلُّ عليهما، ويجوزُ أن يكونَ لكلِّ مَنْ يَصِحُّ منه البِشارة. اهـ. باختصار.

.قال ابن عاشور:

الحرث مصدر حرث الأرض إذا شقها بآلة تشق التراب ليزرع في شقوقه زريعة أو تغرس أشجار. وهو هنا مطلق على معنى اسم المفعول.
وإطلاق الحرث على المحروث وأنواعه إطلاق متعدد فيطلق على الأرض المجعولة للزرع أو الغرس كما قال تعالى: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} [الأنعام: 138] أي أرض زرع محجورة على الناس أن يزرعوها.
وقال: {والخيل المسومة والأنعام والحرث} [آل عمران: 14] أي الجنات والحوائط والحقول.
وقال: {كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته} [آل عمران: 117] أي فأهلكت زرعهم.
وقال: {فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} [القلم: 22] يعنون به جنتهم أي صارمين عراجين التمر.
والحرث في هذه الآية مراد به المحروث بقرينة كونه مفعولًا لفعل {فأتوا حرثكم} وليس المراد به المصدر لأن المقام ينبو عنه، وتشبيه النساء بالحرث تشبيه لطيف كما شبه النسل بالزرع في قول أبي طالب في خطبته خديجة للنبيء صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل».
والفاء في {فأتوا حرثكم أنى شئتم} فاء فصيحة لابتناء ما بعدها على تقرر أن النساء حرث لهم، لاسيما إذا كانوا قد سألوا عن ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال.
وكلمة {أنى} اسم لمكان مبهم تبينه جملة مضاف هو إليها، وقد كثر استعماله مجازًا في معنى كيف بتشبيه حال الشيء بمكانه، لأن كيف اسم للحال المبهمة يبينها عاملها نحو {كيف يشاء} [آل عمران: 6] وقال في لسان العرب: إن {أنى} تكون بمعنى متى، وقد أضيف {أنى} في هذه الآية إلى جملة {شئتم} والمشيئات شتى فتأوله كثير من المفسرين على حمل {أني} على المعنى المجازي وفسره بكيف شئتم وهو تأويل الجمهور الذي عضدوه بما رووه في سبب نزول الآية وفيها روايتان.
إحداهما عن جابر بن عبد الله والأخرى عن ابن عباس وتأوله الضحاك على معنى متى شئتم وتأوله جمع على معناه الحقيقي من كونه اسم مكان مبهم، فمنهم من جعلوه ظرفًا لأنه الأصل في أسماء المكان إذا لم يصرح فيها بما يصرف عن معنى الظرفية وفسروه بمعنى في أي مكان من المرأة شئتم وهو المروي في صحيح البخاري تفسيرًا من ابن عمر، ومنهم من جعلوه اسم مكان غير ظرف وقدروا أنه مجرور ب {من} ففسروه من أي مكان أو جهة شئتم وهو يئول إلى تفسيره بمعنى كيف، ونسب القرطبي هذين التأويلين إلى سيبويه. فالذي يتبادر من موقع الآية وتساعد عليه معاني ألفاظها أنها تذييل وارد بعد النهي عن قربان النساء في حال الحيض. فتحمل {أني} على معنى متى ويكون المعنى فأتوا نساءكم متى شئتم إذا تطهرن فوزانها وزان قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} بعد قوله: {غير محلى الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 2].
ولا مناسبة تبعث لصرف الآية عن هذا المعنى إلا أن ما طار بين علماء السلف ومن بعدهم من الخوض في محامل أخرى لهذه الآية، وما رووه من آثار في أسباب النزول يضطّرنا إلى استفصال البيان في مختلف الأقوال والمحامل مقتنعين بذلك، لما فيه من إشارة إلى اختلاف الفقهاء في معاني الآية، وإنها لمسألة جديرة بالاهتمام، على ثقل في جريانها، على الألسنة والأقلام. اهـ.
ثم ذكر ابن عاشور رحمه الله الروايات السابقة في سبب النزول، ثم قال:
أقول: قد أجمل كلام الله تعالى هنا، وأبهم وبين المبهمات بمبهمات من جهة أخرى لاحتمال {أمركم الله} معاني ليس معنى الإيجاب والتشريع منها، إذ لم يعهد سبق تشريع من الله في هذا كما قدمناه، ثم أتبع بقوله: {يحب التوابين} [البقرة: 222] فربما أشعر بأن فعلًا في هذا البيان كان يرتكب والله يدعو إلى الانكفاف عنه وأتبع بقوله: {ويحب المتطهرين} فأشعر بأن فعلًا في هذا الشأن قد يلتبس بغيرِ التنزه والله يحب التنزه عنه، مع احتمال المحبة عنه لمعنى التفضيل والتكرمة مثل {يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين} [التوبة: 108]، واحتمالها لمعنى: ويبغض غير ذلك، ثم جاء ما هو كالدليل وهو قوله: {نساؤكم حرث لكم} فجعلن حرثًا على احتمال وجوه في الشبه؛ فقد يقال: إنه وكل للمعروف، وقد يقال: إنه جعل شائعًا في المرأة، فلذلك نيط الحكم بذات النساء كلها، ثم قال: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} فجاء بأنى المحتملة للكيفيات وللأمكنة وهي أصل في الأمكنة ووردت في الكيفيات، وقد قيل: إنها ترد للأزمنة فاحتمل كونها أمكنة الوصول من هذا الإتيان، أو أمكنة الورود إلى مكان آخر مقصود فهي أمكنة ابتداء الإتيان أو أمكنة الاستقرار فأُجمِل في هذا كله إجمال بديع وأثنى ثناء حسن.
واختلاف محامل الآية في أنظار المفسرين والفقهاء طوعُ علم المتأمل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (224):

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أذن في إتيان النساء في محل الحرث كيف ما اتفق ومنع مما سوى ذلك ومنع من محل الحرث في حال الحيض بين حكم ما إذا منع الإنسان نفسه من ذلك بالإيلاء أو بمطلق اليمين ولو على غير سبيل الإيلاء لأنه نقل عن كثير منهم شدة الميل إلى النكاح فكان يخشى المواقعة في حال المنع فتحمله شدة الورع على أن يمنع نفسه بمانع مظاهرة كما بين في سورة المجادلة أو غيرها من الأيمان فمنعهم من ذلك بقوله تعالى عادلًا عن خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم تعظيمًا لمقامه: {ولا تجعلوا الله} أي الذي لا شيء يداني جلاله وعظمته وكماله {عرضة} أي معرضًا {لأيمانكم} فيكون في موضع ما يمتهن ويبتذل فإن ذلك إذا طال حمل على الاجتراء على الكذب فجر إلى أقبح الأشياء. قال الحرالي: والعرضة ذكر الشيء وأخذه على غير قصد له ولا صمد نحوه بل له صمد غيره {أن} أي لأجل أن {تبروا} في أموال اليتامى وغيرها مما تقدم الأمر به أو النهي عنه {وتتقوا} أي تحملكم أيمانكم على البر وهو الاتساع في كل خلق جميل والتقوى وهي التوغل في خوف الله سبحانه وتعالى: {وتصلحوا بين الناس} فتجعلوا الأيمان لكم ديدنًا فتحلفون تارة أن تفعلوا وتارة أن لا تفعلوا لإلزام أنفسكم بتلك الأشياء فإن من لا ينقاد إلى الخير إلا بقائد من يمين أو غيرها ليس بصادق العزيمة، وفي الأمثال: فرس لا تجري إلا بمهماز بئس الفرس. اهـ.